داعش… والغرب

قررت عدة حكومات إعلان طبول الحرب على تنظيم “داعش” لدحرها وردع خطرها الذي اصبح يطال الجميع. الغرب والشرق يتحدثان بلسان واحد على اعتبار أن هذا التنظيم  يسعى إلى دمار البلدان وهلاك الشعوب.

تسعى عدد من الدول الكبرى (اميركا، روسيا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، كندا، استراليا، الخ) الى القضاء على التنظيم الارهابي عسكريا، لأنه بات  يهدد أمن واستقرار  كل بلد وكل عاصمة وكل مدينة في انحاء العالم.

ولكن هناك أمر مهم، وهو ان مكافحة التنظيم عسكريا ليست حلا دائما، لأن الفكر الذي ولد التنظيم مستمر في ضخ الافكار التي تحث الشباب على انتهاج التطرف والقتل، وهذه الافكار  تتوسع بين الشباب وتنتشر هنا وهناك وهي تستند على نمط من التفكير ينمي الكراهية والقتل باسم الدين.

وهنا استوقفني حديث لمسلمة من اصل أوروبي في لندن، ترعرعت في دولة خليجية ودرست في مدارس عربية.

وقد أسلمت رغم أصولها المسيحية ولم يمنعها والديها الذين مازالوا يعيشون في هذه الدولة الخليجية وعمدوا أبناءهم في الكنيسة. قالت إنها تعلمت أركان الإسلام على كبر وهي ترى أنها مسلمة، وخليجية المنشأ، وليست مسيحية، رغم أنها تسمع مرارا من مسلمين قريبين منها بأن المسيحين والشيعة “كفرة”، ولكنها لا تقبل بذلك لأنهم ليسوا كذلك.

مثل هذا الكلام قد نسمعه مرارا وهو للأسف يشوه من صورة الإسلام، والقصة هنا لا تدور حول من هو المؤمن ومن هو الكافر. فالمسألة ترجع إلى الفرد نفسه في مسألة فيما يريد اعتناقه وهو الأمر الذي كان سهلا على هذه الأوروبية التي ترعرعت في اسرة تحترم خيارات الفرد. ولكن الأمر تغير في كيف تنظر هذه المرأة للأمر بعدما أصبحت مسلمة متأثرة بخطاب يفرق بين الناس على اساس الدين والمذهب، ومن الممكن ان يدفع الشباب نحو التطرف والارهاب.

وللاسف فان العقلية المعاشة في بعض مجتمعاتنا تحولت الى تناحر يؤدي في النهاية الى تخريب النسيج المجتمعي، ويدفع الى استخدام القتل وكل ماهو بشع ويؤدي الى وأد التسامح واستغلال حالة الضياع والاضمحلال السياسي داخل البلدان العربية، الغنية والفقيرة منها، وذلك في نشر مفاهيم خاطئة تحرض على القتل وتحث على الكراهية.

يحدث ذلك ايضا بسبب انتشار مظاهر القمع لكل مختلف في الرأي أو الفكر حتى بات الأمر عاديا عند شريحة من الشباب – الذي يرى في هذه الأفكار ملاذا لهويته الضائعة أو مواطنته الغائبة – وهؤلاء الشباب اصبحوا وقودا لمشروع سياسة الموت يبعدهم عن مطالب الناس الحقيقية المتمثلة في اقامة العدل واحترام الحقوق الفردية والجماعية.

ليست هناك أي محاولة لتبرئة ما تقوم به داعش أو البحث لها عن مبررات نصوصية أو أخلاقية لكنها بكل تأكيد قد ملأت الفراغ العام الذي انسحبت منه شعوب المنطقة بعد فقدان توازنها وضمان حقها في الممارسة السياسية.

من هنا جاء إرهاب داعش ليفرض قواعد لعبة أخرى، ولكنها لعبة  تساهم في قمع حق الشعوب  في الحرية والكرامة، وتضييع كل ما حققه شباب المنطقة في الربيع العربي، واشاعة العبث لردع الناس من المطالبة بحقوقهم مرة اخرى. لقد استخدمت التنظيمات الارهابية الدين الاسلام والطائفية من أجل تبرير عودة الاستبداد، لأن الكثير من الناس اصبحو يفضلون امن الدكتاتورية على االفوضى والعبث وسفك الدماء باسم الدين.

 
اثنين, 07/12/2015 - 07:54

          ​