
لا نستبعد مطلقاً رغم الجدل الكبير المثار عقب دخول أو إرسال قوات تركية إلى أراضٍ عراقية في جبل بعشيقة الكردي مساء الجمعة الماضية، التابع لقضاء الموصل بشمال العراق، الذي سيطر عليه تنظيم الدولة الاسلامية. وتحدثت المصادر أن تلك القوات التركية لا يتجاوز عددها 150 عنصرا، لا نستبعد نكررها مرارا وتكراراً أنها ما كانت لتأتي دون علم واشنطن وإدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما…
رغم الحديث حسب مصادر رسمية صحافية في قضاء ومدينة الموصل العراقية أن جزءا منها أي القوات التركية كانت موجودة منذ عدة اشهر ، وأنها أتت لتدريب القوات الكردية العراقية ، رغم تشكيك السلطات الاتحادية بقيادة حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، وعدم موافقته على هذا التحرك مطالبا تركيا بسحب جنودها فوراً.. بينما مصدر عسكري كردي في قوات البشمركة العراقية أكد أن هذه القوات التركية بعرباتها العسكرية المحدودة، جاءت بطلب من محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، لغرض تدريب قوات الحشد الوطني، التي تحارب تنظيم الدولة. وأنها «عبارة عن مجموعة من الضباط والمدربين ومعهم بعض العربات المصفحة وليس قوة ضاربة» على حد وصف المصدر. ما يؤكد ما ذهبنا إليه نفصله أو نثبته في النقاط التالية:
أولا: إعلان واشنطن إرسالها200 جندي وخبير عسكري أمريكي إلى العراق ، قبل عدة أيام وبالتحديد الجمعة الماضية، لغرض تدريب القوات العراقية، على صعيد تكثيف الضربات الأمريكية الدولية للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، وهو اليوم نفسه الذي دخلت به القوات التركية الاراضي التركية العراقية.
ثانيا: مطالبة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لتركيا بسحب قواتها فورا من العراق ومنطقة أو جبل بعشيقة الكردي.. وهو الطلب ذاته الذي وجهه لواشنطن حينما أعلن ان العراق ليس بحاجة لتواجد اي قوات اجنبية على أراضيه، وان اي قوات تصل العراق سواء أمريكية أو غير أمريكية غير مرحب بها، وسوف نتعامل معها وفق المعايير الدولية.
ثالثا: إعلان مصادر رسمية أمريكية أن القوات التركية المرسلة إلى بعشيقة شمال العراق لا تدخل ضمن الحرب الدولية على تنظيم الدولة.. بينما مصادر تركية رسمية أعلنت أن دول التحالف على علم مسبق بهذا التحرك.. وربما هذا ما يفسر ما قاله الكولونيل ستيف وارن المتحدث الرسمي بإسم التحالف الدولي ضد تنظيم بأن تركيا حليف استراتيجي وأوثق في التحالف الدولي في الحرب. نعود لنقول أن تركيا ما كانت سوف تتحرك مليمترا واحدا في تحركها الحالي تجاه العراق وقضاء الموصل وجبل بعشيقه شمالي العراق، دون ضوء أخضر أمريكي، فخطوة ومهمة جريئة ومحفوفة بالمخاطر لا يمكن ان تخوضها تركيا منفردة، دون تنسيق مسبق مع واشنطن ، ولا نستبعد علم الولايات المتحدة والرئيس الامريكي اوباما نفسه بنية أو عزم تركيا اردوغان إرسال هذا العدد من الجنود، ربما منذ قمة المناخ التي انعقدت الاسبوع الماضي في باريس أو قبلها مؤخراً.
في الأعراف العسكرية الدولية من يأتي من الخبراء العسكريين لاي دولة أوروبية عظمى كانت لغرض المساعدة في التدريب، يأتي جنوده ببزتهم العسكرية إلى الدولة التي بحاجة لهم لتدريب جيشها النامي والناقص للتأهيل والتدريب، وعلى الأكثر مسدساتهم الشخصية، هذا إن سمح لهم بذلك.. لكن أن يأتوا بمدرعات ومصفحات عسكرية ثقيلة، مثلما نرى ذلك في التحرك التركي الحالي، وتحت غطاء تدريب قوات قضاء الموصل والحشد الوطني يعد سابقة فريدة من نوعها في هذا الصدد، ويتجاوز بكثير مهمة التدريب إلى المشاركة بحرب أو حروب ضد تنظيم الدولة وربما ميليشيات حزب العمال الكردستاني من جهة اخرى، لسنا متأكدين من ذلك لكننا نضع تكهنات قد تصيب وقد تخطأ والأيام والاحداث هي الحكم. ولكن في المقابل لماذا يعتبر رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي التحرك التركي العسكري في العراق غير مرحب به وتمهل حكومته السلطات التركية 48 ساعة لسحب قواتها من الموصل شمال العراق وجبل بعشيقة، ولا تفعل الشيء نفسه مع الميليشيات الشيعية وخلايا إيران النائمة والحية وتعمل على استيعاب كافة الأطياف العراقية في مؤسسات الدولة والحكم والجيش العراقي الذي عجز عن تطهير الموصل من تنظيم الدولة والتنظيمات الإرهابية ، وليس الانكفاء فقط على أبناء الطائفة الشيعية الموالية لإيران في العراق؟ فمن الغريب اعتبار التحرك التركي في العراق خرقا لسيادة الدولة العراقية كما يتحدث السيد العبادي، بينما التواجد الايراني الشيعي الميليشياوي مرحب به وبصورة دمرت استقرار العراق وزادت من العنف والاقتتال الطائفي والتفجيرات الانتحارية بصورة مخيفة وتجعلنا كعرب نبكي بحرقة حقيقة على حضارة العراق ودولته السابقة والقوية، سواء باركنا هذا التحرك التركي أو أدناه.
وربما ما يفسر هذا الصمت الامريكي حيال هذا التحرك التركي في الاراضي العراقية، هو رضى واشنطن المسبق حيال هذا التحرك نقولها بثقة ونحن مسؤولون عن كلأمنا هذا.. وإن ظهرت بعض الإدانات الامريكية له اي التحرك التركي العسكري في أراضي الموصل ، خلال الأيام والساعات المقبلة سواء من البيت الابيض أو من الرئيس الامريكي نفسه، فمن باب رفع العتب ودرء الإحراج عنها أي إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما، أمام حكومة العبادي وروسيا التي أدانت أمريكا تحركها الجوي والعسكري في سوريا مؤخراً. التي دأبت ادارة أوباما على خوض حروب بالوكالة ضد أعدائها في الشرق الأوسط بجيوش غيرها وإسنادها الجوي مجتمعة مع تحالف دولي وليست منفردة، خصوصا المتعلقة بالإرهاب ومكافحته، عكس إدارة بوش الابن التي أنهكت الخزينة والاقتصاد الأمريكيين. وهذا باعتقادنا يمثل طعنة في ظهر روسيا من الولايات المتحدة التي عارضت تدخلها في سوريا، واتهمتها باستهداف المعارضة السورية المعتدلة وليس فقط أهداف تنظيم الدولة في سوريا.. فما هو الرد الروسي إذن والعراقي في الوقت نفسه فالعراق أو حكومة العبادي وجيشها ضعيف وليست مستعدة لمواجهة خامس اقوى جيش في المنطقة العربية الجيش التركي؟ لكن الروسي هل سوف يقتصر على إرسال المزيد من الأسلحة والسفن الحربية الروسية إلى الحدود السورية مع تركيا والداخل السوري نفسه؟
ام أننا سنشهد مواجهات عسكرية تركية روسية خارج حدود البلدين أي في كل من سوريا والعراق؟ وهو احتمال يبقى وارداً، خاصة إذا استمر التصعيد في العلاقات الروسية التركية المتأزمة بعد إسقاط تركيا المقاتلة الروسية فوق أجوائها ، وكذلك الحشد العسكري والتسارع على السيطرة على مناطق نفوذ عسكرية بين الطرفين التركي والروسي في سوريا وجوارها العراقي. ولكن كيف ستكون آثار كل ذلك في المستقبل القريب.. وكيف ستكون صورة المنطقة العربية بأسرها عموماً، وسوريا والعراق خصوصاً اللذين هما رأس حربة في الحرب الدولية ضد تنظيم الدولة الاسلامية؟ إذا ما اندلعت حرب عالمية ثالثة بين روسيا وحلفائها في سوريا وإيران من جهة وبين تركيا وحلف الناتو من جهة أخرئ، وكل الاحتمالات ورادة في منطقة باتت ملتهبة جداً.
محمد رشاد عبيد
صحافي يمني يقيم في نيويورك