الوفاء!

ذات عام من زمن التطفل،نبت في منزلهم كأنه شجرة بلا ثمار،كان يوزع ابتسامته الميكانيكية بكل غزارة،كانوا يصبحون ويمسون على وجهه الخشبي،تحملوا هوائه الثقيل لعدة أعوام،كأنه مزيج من الرطوبة والحر،لم يوقظوه يوما من أحلام اليقظة بشيء من التذمر،كان إذا أصيب بالزكام،تزاحمت عواطفهم على أنفه الصغير،الشبيه بحبة الفاصوليا بكل رقة.كان ضليعا في تسويق الكلام،دخل معترك السياسة،وتنقل كالفراشة بين الأحزاب،ومسح أحذية المذلَّة تحت طاولة المصالح بكل مكر،فشق طريقه بسرعة كالسهم نحو الأعلى،وهو يخلع ثيابه القديمة،مثل يرقة في طور التحول،رفس برجله الخشنة كل سنوات المخمصة،وشيد جدارا عازلا دونها،ونسي ذلك المنزل الكبير الوارف الظلال،نسي الشارع الذي طالما سلكه راجلا،نسي كل تلك الوجوه الطيبة.
ربما يكون انحناء النفس أمام فتات الدنيا الزائل،يسد أحيانا رمق الجيوب الجائعة،لكنه يزرع نكهة مرّة في طعم الحياة يصعب التخلص منها،حتى ولو زرعنا ضمائرنا في عسل من اللامبالاة.اللقطة المنصرمة مستوحاة من الواقع،وكثيرة هي تلك اللقطات الداكنة في هذا المجتمع الذي توغل في متاع الدنيا القليل.
نعود للدرس!
كان صديقي،وصار غريبا دون سبب معلن.أشاح بوجهه عني فجأة،فيا أيتها الرياح الباردة،أخبري ذلك الصديق الطيب أنني أحبه في الله،وأن الحياة في منتهى البساطة،أخبريه أن النهر الأصيل لا يغير مجراه،مهما رأى الخصوبة في أماكن أخرى،أخبريه أن تلك الأوهام التي تعلو وتهبط في قلبه،إن هي إلا محض سراب،أخبريه أن جسور المودة لا تتحطم بسهولة،حتى لو أخذت القطيعة كل معاولها القوية،وأخذت تضربها بكل قسوة،أخبريه أنني أبسط له يد الحوار،وإن رغب في بعض الممهدات فهي موجودة،وأنني أدعوه للمبارزة رجلا لرجل على حلبة العتاب،وبحضور وجبة من البيض المسلوق يعرف هو جيدا مكوناتها البسيطة،ولفيف من كؤوس الشاي التائهة من إعداده طبعا،وليتخلى عن فكرة المطالبة برحيل الصداقة،وأعده أنني لن أقوم بتعديل مشاعري وقت الظهيرة،وسأكف عن زراعة النعناع في حدائق قلبه الخلفية.
هنا تامشكط،وأنا تحت تأثير الحديد،لقد أفرطت في تناول "شكط" وهو "أدلكان" الذي يطهى وهو لا يزال مرصوصا كحبات المسبحة داخل كيسه،هناك عرس كما يبدو،أهازيجه طردت الهدوء عن سماء المدينة وجعلتها تضج بالصخب،لكنني في منأى عن الأفراح،فالاحتكاك مع التلاميذ على أسوار "المرجع" قد لا يخدم سنة التعليم.الساعة الواحدة ليلا و3 دقائق،ليلتكم سعيدة.

 

خالد الفاضل

أربعاء, 16/12/2015 - 08:48

          ​